Friday, March 9, 2007

أمن الوطن وأمن النظام


هذا المقال للمربي الفاضل الأستاذ الدكتور سعيد اسماعيل علي

قال محدثى : لماذا أرى الحزن فى وجهك هذه الأيام كلما سمعت عن هجمة شرسة من الحكومة على الإخوان المسلمين وأنا أعلم علم اليقين أنك لست واحد منهم ، ولم تكن كذلك فى يوم من الأيام ؟قلت : المسألة ليست اعتقال أو سجن هذا وذاك ، وليست مصادرة أموال من هنا ومن هناك مما يخص الجماعة ، ولكنها فى تلك المؤشرات المتعددة المحيطة بالقضية ، وما تتضمنه من دلالات مفزعة ، تؤكد لنا أننا أمام نظام مستعد أن يضحى بالوطن كله فى سبيل أن يستمر ، حيث لم تشبعه ست وعشرون سنة ، تراجعت فيها مصر بصورة جعلتها " منزوعة الدسم " فى النظام الإقليمى العربى إن صح أن نشير إلى نظام بهذا الإسم . قال محدثى : لا أفهم هذه التعميمات ، بل أريدك أن تفصل وتضرب الأمثال ..قلت : نحن نعرف أن القوات المسلحة وظيفتها الأساسية هى حماية الأمن الخارجى للوطن ، إذا ما فكرت قوة معادية أن تمسه بسوء . ونعرف أن قوات الشرطة حريصة على المحافظة على أمن المواطنين فى الداخل ، وللقوتين أجهزتهما السرية " مخابرات وأمن دولة " للمعاونة على تحقيق أهداف كل من شكلى الأمن الداخلى والخارجى ، فإذا جئت إلى ما يسمى بقوات الأمن المركزى وتساءلت عن مهمتها فسوف تجد أنها أنشئت لحماية النظام السياسى القائم ، فكأن هذا النظام يرى أمنه لا يتحقق فقط عن طريق القوات المسلحة ، ولا عن طريق الشرطة ، مما يؤشر إلى انفصال واضح فى الوعى واللاوعى لدى القائمين على النظام القائم ، منذ أن أنشئ هذا الجهاز على يد شعراوى جمعة بعد هزيمة يونيو 1967
قارن بين " شكل " قوات الأمن المركزى و " شكل " جنود الشرطة ، وإمكانات هذه وتلك ، سوف ترى فارقا يكاد أن يصل إلى ما بين المساء والأرض ، وهذا بحد ذاته مؤشر دال على " قيمة " أمن المواطن و" قيمة " أمن النظام .انظر إلى المحيط الخارجى لجامعة القاهرة ، وجامعة عين شمس ، وجامعات أخرى ، فسوف تجد العربات المصفحة ومئات الجنود المدججين بالسلاح والهراوات , ضباط تنظر فى وجوههم فيخيل إليك أن الواحد منهم قادر على أن يدمر إسرائيل مما يظهر عليه من علامات قوة جسم وعضلات وقسمات وجه صارم جاد ، وتسأل : ما وظيفة هؤلاء ؟ هل يقفون منذ سنوات مرابطين حماية لطلاب الجامعة ، شباب مصر وقياداتها المستقبلية فى كافة مواقع الخدمة والإنتاج ؟ أبدا ...هل هم لحماية أساتذة الجامعة ، عقل مصر وضميرها وقادة حركة النهوض والتنمية بها ؟ أبدا ...هم للحيلولة بين هؤلاء وهؤلاء وبين أن يأتوا بأى فعل أو قول يمس النظام السياسى القائم ، لأن مئات الألوف من شباب الجامعات وأساتذتها – فى نظر النظام - لم يبلغوا سن الرشد بعد ، فإن ترك لهم الباب مفتوحا لينقدوا ويطلبوا ويصرخوا ، لابد وأن " يحجر " عليهم ، حيث أن الشعب المصرى ، منذ قرنين من الزمان على وجه التقريب يقال له أنه لم يبلغ سن الرشد بعد ، ولو ترك حرا ليعبر عن نفسه لخرب ودمر ولعبت به قوى خارجية متعددة لا تريد خيرا بالوطن .كانت الصورة التلفزيونية أمامى للمحاكمة الأخيرة ، وقوات ضخمة من الأمن المركزى ، أو قل هو " أمن النظام " تحاصر من الداخل ومن الخارج مجموعة من الإخوان الذين قبض عليهم ، وفى الخارج نساء فضليات هن زوجات وأخوات وأمهات المأسورين ، ترى فى أعينهم الحزن الدفين ، وهن يرون رجالهن وقد وقعوا فى الأسر لا لذنب اقترفوه بقدر ما لهم من جاذبية بين جماهير الناس وقوة سياسية وثبات دينى وفاعلية حركة . وبجوار هؤلاء النساء عشرات الأطفال ..ترى ماذا سوف يثبت فى عقلوهم وفى قلوبهم وهم قد عاشوا سنوات مع أب مستقيم السلوك ، مجتهد العمل ذى علاقات طيبة مع من حوله ، لكنه يسير فى اتجاه مخالف لاتجاه النظام ، فكان لابد من تشويه صورته بأى سبيل حتى ول افتقد المعقولية والمنطقية ؟!كيف أرى هذا وذاك يا صديقى وأنا أكاد أوقن بكذب ما يفترى على هؤلاء وأمنع قلبى من التمزق ومشاعرى من الاهتزاز العنيف ؟ هل لابد أن أكون عضوا حتى أنفعل بمثل هذا وذاك ؟ كلا ..انظر إلى أى شارع ، عندما ترى كلبا أو قطة أو أى حيوان يدهس أو يضرب ..ألا تتحرك مشاعرك أسى وحزنا ؟ فما بالك بنخبة من ناشطى التجارة والصناعة والتعليم والبحث العلمى والزراعة والثقافة ممن يضيفون الكثير إلى حركة الوطن فى النماء والنهوض ؟ كيف يمكن ألا تتحرك مشاعرنا بالأسى والغضب ونحن نرى مصريا خان وطنه فتجسس لحساب عدو الأمة والدين إسرائيل ، وهو يحاكم أمام محكمة مدنية ، بينما يحاكم نفر من كبار الناشطين فى خدمة المجتمع ومستقبله أمام محكمة عسكرية ؟ الأول خان الوطن ، والثانى خان النظام – على فرض أن مخالفة النظام سياسيا تعد خيانة له - فهل عرفت إذن أى معيار تقاس به الأمور ، وأين تكمن المصلحة : مصلحة النظام ومصلحة الوطن؟فى النظم الديموقراطية لا تستطيع أن تجد هذه المسافة بين " النظام " و " الوطن " ، فجماهير الناس هى التى تأتى بمن يديرون النظام ويمثلونه ، ولذلك هم جزء من الوطن وممثلين لجماهير الأمة ، لكن فى مثل دولنا المنكودة ، حيث نبرع فى فن التمثيل : هناك من يقوم بدور المرشح ، وهناك من يمثلون دور المشرفين على الانتخابات ، ومن يمثلون دور الجماهير التى تسعى لممارسة حقها الانتخابى ..وهكذا ، ألا تذكر ما جرى فى دوائر مثل – على سبيل التمثيل لا الحصر – الدقى ومدينة نصر بالقاهرة ، ودمنهور ؟ إن واحدا مثلى يقف خارج الجماعة يفترض احتمال أن يكون النظام صادقا فى موقفه من هؤلاء الناس ، باعتبارهم يمثلون خطرا على مصر ، لكنه يتمثل موقف النبى إبراهيم عليه السلام من ربه – والقياس مع الفارق – عندما قال : ربى أرنى كيف تحيى الموتى ! نبى يخاطب خالقه بهذا ..إنه يؤمن بالتأكيد ، لكن المثل تعليمى : لابد من الدليل ..لابد من البرهان ، فكيف أتيقن من هذا الذى يقولونه عن الجماعة ؟ ..هل يمكن أن يتخيل أحد مئات الألوف من المواطنين محرومين من أن تكون لهم جريدة أو مجلة يعبرون من خلالها عن آرائهم ، فنناقشهم ونتبين فى أى أمر صدقوا وفى أى أمر أخطأوا ، فإذا ما أخذنا منهم موقفا كان ذلك " عن بينة " وعن برهان ، وبعد ظهور الدليل .فقط ، نفاجأ بمانشطات صحفية حكومية بالقبض على س وص لأنهم كانوا " ينوون " كذا وكذا أو لأنهم أرادوا كذا وكذا ، وإحالتهم إلى المحاكمة أو الاعتقال الطويل دون محاكمة ؟!نريد أن نعرف : إلى أى حد هذا يقول الصواب وذاك لا يقول إلا باطلا ؟ لا سبيل أمامنا إلا أن نقرأ ما تقوله الحكومة عنهم ، أليس من المنطق أن نسمع هؤلاء المتهمين( إذا صح أنهم بالفعل كذلك ) ؟ ليس بالضرورة أن نصدقهم ، فقط : حق التعبير لهم ، وحقنا فى الاستماع إليهم !!وفى الوقت الذى لا يجد مثل هؤلاء الناس أى منفذ يعبرون عن طريقه عن آرائهم ، يجد فيه الذين يروجون لما يدفع إلى عُهر وفسق وفجور ، فلهم قنواتهم التلفزيونية ، وأماكنهن وحريتهم ، فإذا قبض عليهم ، كانت لهم محاكماتهم " المدنية " ومحاميهم الذين يستطيعون بكل يسر أن يخرجوهم براءة !فى أنشطة لحزب الحكومة ضخمة تصل إلى ملايين ، يتساءل البعض : من أين كل هذا ؟ فيكون الرد الجاهز : تبرعات من أعضاء الحزب ، فهل هذا حلال هنا وحرام هناك ؟ الجواب طبعا جاهز : الأول حزب الدولة الرسمى ، والثانى جماعة محظورة ، والسؤال هو : ولماذا هى محظورة ؟ قرار كان قد صدر منذ نصف قرن من " حكومة " و " سلطة " ، لكن ، ألا يعد اختيار مئات الألوف من الناخبين لثمانية وثمانين نائبا فى البرلمان استفتاء على مدى قبول هذه الجماعة بين الناس ؟ صدقونى ...أريد أن أفهم صدقا وحقا ، لا تزويرا وكذبا ...علانية وبشفافية ، لا مداراة ونفاقا ، حتى أتعاطف مع النظام وأكون من السائرين فى ركابه فأعيش فى نعيم وأرفل فى الحرير ..معذرة فى هذه السقطة القلمية المخالفة لما فى قلبى وعقلى ، أتدرى ما فيهما ؟ هو نفس ما فى قلبك أنت وفى عقلك أنت ..

1 comment:

محمود سعيد said...

إن هذا النظام لا يستطيع تحويل الجاسوس لمحكمة عسكرية

علشان ماما أمريكا متزعلش منه

لكن لو عمل فى الإخوان إيه
محدش ليهم غير الله
ومش عاوزين من أمريكا حاجة